الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "المنهل"

نداء الدماء

Share

نداء الدماء . . الديوان الاخير - صدورا - من دواوين شاعرنا الاستاذ حسن عبد الله القرشي . . صدر في حلقة قشبية ، وبحجم الجيب كأغلب دواوينه . . وطبع في بيروت طبعا انيقا في ١٢٦ صفحة . و " نداء الدماء " اسم يدل على ان الديوان كله يتفطر هياجا وسخطا بالغا على المستعمرين الغاصبين وهكذا كان في كثير من قصائده . . ولم يكن في بعض قصائده ويدلنا على انه اراد له ان يكون " ملتهبا " قوله في قصيدة الاهداء :

اهديك عبد الله يا صغيري ديوانى الملتهب الشعور ويحدثك الديوان عن ثوار الجزائر في قصيدتين مسهبتين ، ويتحدث عن تحويل مجرى نهر الاردن بقصيدة : " انا العربي " .

ولا ينسى الديوان اعجوبة " لوممبا " كان لوممبا عربي اصيل اغتيل دفاعا عن حق العروبة والاسلام .

واخيرا قصيدة " الغاضبون " . . وهي مطولة قيمة . . وقصيدة ( اشعلوها ) . . وهما تمثلان ادب فلسطين الجريح . . وقصيدة ( زنجبار ) التى رثى فيها العروبة والاسلام في ارض دار الحرب لا السلام . .

وفي الديوان قصائد هي (  اغادير ) . . ) انا العربي . . ( نجد ) . . و " مكة " . . و ( هتفة مجروح ) . و ( أماه ) . . و ( شاعر الكرنك ) . . والاخيرتان رثاء لام الشاعر ورثاء لاحمد فتحى . .

هذا استعراض شامل للديوان . وندخل بايجاز في التفاصيل . . فنقول :

عنوان الديوان وموضوعات اغلب قصائده يدلاننا على ان الشاعر ارتفع قليلا عن الشعر العام ، فهو الآن يحاول ( التخصيص ) اي تخصيص ديوانه او مقبل دواوينه بموضوع خاص يزاوله على نحو ما يفعله كبار الشعراء القادرون . .

ولئن وجدت في الديوان قصائد ليست من نداء الدماء فذلك قد جاء عفو الشاعرية التى من طبيعتها ان تهيم في مختلف الاودية . .

هذا ويعجبني قوله في قصيدة ( اغادير ) :

اغادير سوف تعود القصور

ويبنى الحمى ويهل البشير

وتشرق شمسك بعد المغي

ب ويطلع فجرك رغم النذير

وسوف تميس الصبايا الحسا

ن بناديك يطلعن قبل البدور

فكفى عن النوح ما كنت يو

ما سوى واحة للسنا والحبور

كما يعجبني قوله في قصيدة : ( كفاح مقدس ) :

ارضنا للاخاء والتشييد

يتساوى فى سيد ومسود

ارضنا للوقار لا للجحود

ارضنا للاسود لا للعبيد

وقصيدة موكب المجد من غرر قصائد الديوان ، وهي بطبيعة الحال ليست من نداء الدماء ولا من فيضها ، انها ندى الازهار الآخذة بنفح شدي من عكاظية شوقي في حفل مبايعته بامارة الشعر العربي .

وقد القى شاعرنا هذه القصيدة العصماء التى نظم خدها فى الحفل التكريمي الذي اقامته جامعة الرياض . . ومطلعها :

اقبل الفجر زاهيا فى اطاره

كالربيع الضحوك في ازهاره

ان في ( نجدنا ) العزيز ( عكاظا )

صفوة النابهين من اقماره

وقل مثل ذلك في قصيدة ( مكة ) انها خفيفة على اللسان ثقيلة فى الميزان :

تفتق عن راحتيها الصباح

وشعشع في شفتيها القمر

وازهت بها الشمس فوق البطاح

وجن بها الليل حلو الصور

عذيرى هل يبلغن النشيد

رؤى ( مكة ) أو تحيط الفكر ؟ ؟

واني اشم في عبقها الفواح ريح رائية شوقي في ديوانه ( مجنون ليلى ) . .

وقل مثل ذلك فى قصيدة : ( هتفة مجروح ) . . انها رائعة وساطعة . .

أسطورة الاحلام عفت الشباب

وانحسرت أمالي الهائمة

وعدت رهن الاسر رهن العذاب

اسبح في اوهامي الحالمة

ما عيشتى ما بين قوم هجود

عالمهم في الحاضر الساخر ؟

احنو على آلامهم والقيود

وانثنى بالالم الجائر !

واننى لأتنسم من وراء عبيرها العاطر ريح محمود على  طه الذي يحبه الشاعر كثيرا . .

وقصيدة ( اماه ) و ( شاعر الكرنك ) من الشعر الرائق المؤثر . . وهما في رثاء والدته الحنون ورثاء شاعر الكرنك احمد فتحى . . ولئن كانت تلك والدته فهذا صديقه وزميله حينما كانا موظفين في الاذاعة العربية السعودية ابان نشأتها الاولى .

ونعود الى الملاحظات لنقول : يقول الشاعر في قصيدة : ( ثوار الجزائر ) : شراعهم يهابه القرصان والرياح ثاروا فيا ارض اشرقي بالمجد يا بطاح ان كلمة ( يا بطاح ) يبدو انها جاءت لتكمل البيت . . ويقول في قصيدة : ( كفاح مقدس ) : من سقونا باكؤس اللؤماء

في هذه الشطرة اجتمعت أربع همزات . . وهو امر لا يخلو معه هذا فى المبنى من ثقل . . والمعنى نفسه ليس قويا

ويقول فيها :

حسبونا سوائم الاحياء

واستعزوا بأرضنا الخضراء

استعز . . طلب العز . . والشاعر يقصد انهم اعتزوا أى صاروا اعزاء فعلا . . وفرق بين المعنيين . ويقول في قصيدة : " انا العربي " :

ونهرى الكبير انا دونه

ينابيعه عتقت من دمائى

لا ارى صحة معني ان ينابيع نهر الاردن عتقت من دماء العرب . . كما لا أرى جدواه شعريا او فلسفيا .

وحينما قال :

ومعرك ( يرموك ) سوف تعود

تتخلص القدس فذ اللواء

راينا امرين لم يروقانا . . احدهما تذكير صيغة " المعركة " وهو امر جاء نتاج ضرورة شعرية . وثانيهما تأنيث الضمير العائد الى ( المعرك ) : سوف تعود . . كان الواجب ان يقال : سوف يعود . . وامر ثالث تنبهنا له اثناء قراءتنا للبيت وهو ان فيه شيئا من زحاف في الشطر الثاني منه او شيئا من خطا مطبعي

وقد افرد الشاعر قصيدة للوممبا . . الكونغوى ضد تشومبي . .

وجاء في قصيدة : ( هتفة مجروح ) قوله : ( شذاذ احلامهمو سادرون ) وقد افقد صيغة " شذاذ " تنوينها لضرورة الشعر ، ولو قال مثلا :

( شذاذ في احلامهم سادرون ) . لاكتفي مؤونة هذه الضرورة التى اضعفت من كيان البيت . .

وفي ( اشعلوها ) يقول :

جعلوني لاجيئا

والضيف كم حل بقصرى

لو قال مثلا : ( والمسخ كم حل بقصرى ) بدلا من ( الضيف ) الذي تدل صيغته على شئ من التكريم والتقدير والاحتفاء لكان اولى . .

على ان لنا كلمة حول ( اللاجئون ) و ( اشعلوعا ) و ( زنجبار ) . . فالشاعر قد تحلل هنا نوعا ما من القافية والوزن فى بعض هذه الكلمات . . وعدها مع ذلك شعرا . . وسماه ب ( شعر متحرر ) . . وانا اعود فاعيذ شاعرنا الذي نرجو له سموا وخلودا من ( عقدة ) هذه النفاثة التى نفثها الغرب الحاسد الحاقد على شعرنا الصاعد الماجد ، ليكون الجامد الهامد . . اعيذه منها وارجو له ان يرتفع بمستواه الفكرى عن هذه التفاهة الخاسرة . . فشعره وشاعريته اسمى بكثير من الوقوع في هذه الحماة الفاسدة المفسدة . والله ولي التوفيق . .

اشترك في نشرتنا البريدية