الرجوع إلى البحثالذهاب لعدد هذه المقالة العدد 9الرجوع إلى "الفكر"

نصوص

Share

من " اتحاف اهل الزمان ، باخبار ملوك تونس وعهد الأمان" (1)

مفاوضة ابن ابى الضياف مع عارف باى فى شان التنظيمات لما توجهت الى استامبول فاتح سنة 1258 ، شريكا في السفارة مع الشيخ المسن الخير ابى محمد خبر الدين كاهية ، عن المشير الباشا ابي العباس احمد باى للدولة العلية ، على عهد السلطان عبد المجيد خان صاحب الخط الشريف المتقدم ذكره رحمه الله ، والوزير يومئذ ابو عبد الله محمد عزت باشا ، وكان سفرنا في شأن التنظيمات . فقال لى الوزير : ان السيد عارف باى  (الشيخ الاسلام)  له كلام معك . وكان يومئذ من اعضاء مجلس الشورى . ولما اجتمعت معه كلمني في شان التنظيمات وفوائدها والحالة هذه ، وان الامة المحمدية صارت الآن من جور الملوك والعمال في خطر ، الى غير ذلك مما هذا سبيله . فقلت له : ان التنظيمات الخيرية يتعسر اجراؤها فى بوادى المغرب ، ووضحت له

السبب بخطابة ظننتها تروج عنده ... فأجابنى بأن التنظيمات عبارة عن تأمين الناس في انفسهم واموالهم وأعراضهم ، وكل كيفية يحصل بها هذا الامن فهي المطلوبة . وطال الكلام معه فى ذلك الى ان قال لى بمحضر اعيان: ناشدتك الله ورسوله ، أترى فى معقول او منقول ان خليفة رسول الله (السلطان العثماني) مقيد التصرف بقانون لايكاد يتجاوزه ، وصاحبكم ) باي تونس ( مطلق التصرف بفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ؟ فقلت له : هو مقيد الشريعة وبما يقتضيه الحال من المصلحة : فقال لى : أهو معصوم ؟ فقلت : لا . فقال : ان الله امر المعصوم بالمشاورة في الامر . فقلت : يستشير رجاله وثقاته . فقال إلى : ألهم قدرة على الزامه الحق ان خالف ؟ ولم يطلب منى الجواب لانه الجأني الى الكذب والمكابرة . . ثم قال لى : ان هذا الامر يحبه المؤمن الذي يمحض النصيحة لله ورسوله وأيمة المسلمين وعامتهم ، وتكرهه الملوك الذين يحبون مشاركة الله جل جلاله فى كونه لا يسأل عما يفعل ولا معقب لحكمه ، وأتباعهم ممن يقدم حظ نفسه على المصلحة العامة ، كالولاة الذين قطع سيف التنظيمات أظفار اغتيالهم.

وقد وقع في بعض جهات الاناضول من العامة ما يشبه ثورة ، قائلين بجهلهم : التنظيمات دين جديد ، والدين عند الله الاسلام . ووقع الاتفاق على قتالهم . فقلت للمجلس : لابد قبل ذلك من اعذار وانذار . وطلبت التوجه لهم ، وأمر السلطان بذلك . فوصلت الى بلدانهم ، وجلست على منابرها ، ودعوت الناس جمعا بعد جمع ، وقرأت لهم الخط الشريف ، وبينت لهم أدلة اصوله من الشريعة ، وكررت لهم الايضاح حتى انتبهوا ، وكأنما أنشطوا من عقال ، ودعوا لسلطانهم بالنصر والاعانة . هذا غالب الفاظه.

حقق عندى ان الولاة لما جاء الحق وزهق الباطل ، وانسدت فى وجوههم ابواب الجور ، اوحوا الى اوليائهم بما بثوه فى جهلة الناس ، من شرالوسواس الخناس ، حتى تكلموا بما تكلموا . وكفى الله المؤمنين القتال . ولما رجعت سألني السلطان ، فقلت له : نعم السلطان ونعمت الرعية وبئست الولاة . . ولا يستقيم الحال الا بتقديم ولاة أمناء ، والخير لا ينقطع من الامة ، وقد أديت ما وجب على من النصح.                                    (2)  

الامير الاى سليم يجند السودان وفي السنة 1252، أشار الوزير شاكير ، باثبات طابور فى عسكر النظام

بالقشلة من السودان المعتوقين ، واستحسن الباى هذه الرأى . وفى الحين أمر الوزير الامبر الاى سليم بتنزيل ألف رجل من السودان المعتوقين . ولم يأذنه بكيفية أخذهم ، ولا بكونه في اليوم . فاخترع الامير الاى كيفية انتجها فكره . . وهو أنه أتى قشلة الحاضرة ، وجمع العسكر ، وأمرهم بالدوران خلال البلاد وضواحيها ، وأن يأتوه بكل اسود اللون من حر ومملوك ووارقلي وحمروني وفزاني . واتوا ببعض الحوانب والبوابة ، حتى اتوا بسائس مراكيب الباى . وكل من يؤتى به يوقفه الامير الاى بالقشلة ، حتى المخازنية الذين يعرفهم قال لهم : اذا سرحتكم الآن يرجعونكم . . . وتوجهوا الى منوبة وغيرها ، وأتوا بساتين الباى وغيره ، واخذوا المماليك والخدمة منها . ووقعت في البلاد هيعة غلقت بسببها كثير من الحوانيت . حتى تمكنوا بانفار سمر، خدمة بدار قنصل الفرنسيس . فارسل القنصل الى الباى فى الحين، يستكشف خبر ذنبهم ، لانهم أخذوا خارج داره . وتواردت عليه الشكايات في الحين من ارباب المماليك بباردو وارباب بساتين منوبة . فوجم ، لانه كان يظن أنه يتوقف امضاء اذنه على كيفية معقولة يعلمها قبل وقوعها . هذا ورسول القنصل بباب دار الباى فى باردو ينتظر الجواب . فلم يسعه الا ارسال وزيره مصطفى صاحب الطابع فى الحين الى القشلة ، لان الوزير شاكير بالمحمدية ، وأمره بتسريح من بها من السودان . وحملنى الوزير معه فأتى القشلة فوجد الامير الاى على كرسى أمامها ، شامخ الانف كأنه استولى عنوة على مدينة مات فى حربها اكثر جيشه . . وصحن القشلة مملوء بالسودان على الارض كأنهم أسرى حرب . . والعساكر لم تزل قادمة بهم جماعة بعد جماعة كالسوائم . فقال للامير الاى بلطف : ما هذا الصنع ؟ فقال له : لايتأتي الجمع بغير هذه الكيفية ، ولما يجتمع ما بالحاضرة من السودان يأتي كل مالك ويأخذ مملوكه ، وما يبقى فهو معتوق . فقال له : هل أحضرت لهذا العدد العشاء ؟ وأعرض عن جوابه . . وبلغ امر الباى بتسريح جميعها وخرجوا كالحمر المستنفرة وغص بهم الباب . . وتحدث الناس بها أياما .                                    (3)  

جماعة البوقال

)سنة (1252 وبعد ذلك اظهر للباى . . ان المناسب احصاء من فى المملكة من الصغار القادرين على حمل السلاح ، ويطرح منهم من له مانع ، ويؤخذ القدر المحتاج

اليه من الباقى بالقرعة . . وبدأ بالحاضرة ، فأمر مشايخ المدينة والربضين باحصاء سبائر من في الحاضرة من الشبان بأسمائهم فى دفاتر يعرضونها عليه . فجمعوا مشايخ الحومات ، وشرع كل واحد يقيد من فى حومته . فهاج بعض ضعفاء العقول من الارباض وقالوا ان اهل الحاضرة لا يؤخذ منهم العسكر ، وابناء الترك هم العسكر لثبوتهم فى ديوان المرتب ، واى حاجة الى كثرة العسكر الذى يزداد بهم مصرفنا ويقل بهم دخلنا ، لان من يثبت فى العسكر النظامى تتعطل عن البلاد منفعته وتثقل عليها نفقته ونحن مسلمون وكل مسلم عسكرى عند الحاجة . وهذا الزى لم يأمر الله به ، ولا تتوقف عليه المدافعة . . واجتمع كثير من هؤلاء بمقام الولى سيدى محرز بن خلف رضي الله عنه ، وشربوا من حوضه وتعاهدوا على نصر بعضهم البعض وشرعوا فى تكثير عددهم . وكل من يوافقهم يأتون به الى مقام سيدى محرز ، فيشرب من بوقال مملوء بماء حوضه ، وتسموا " جماعة البوقال " . ثم اتوا ديار اهل المجلس الشرعى وقالوا لهم : انتم الامناء على ديننا وأيمتنا فى صلاتنا ، ولكم أولاد مثلنا فى هذه الحاضرة يجوز عليهم ما يجوز على اولادنا نطلب منكم خطاب الباى على لساننا بأنه لاطاقة لنا على اعطاء اولادنا تمضى اعمارهم فى السعى وهم فى موضع واحد كدواب المطاحن لا يؤملون غير ذلك . وهم اعانتنا على المعيشة ، كما لا نتحمل عادة لم تجر على اوائلنا من أولئك وعسكر تونس ترك وزواوة

اشترك في نشرتنا البريدية